أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، أبريل 28، 2016

غياب المعنى في البيت الليبي المعاصر




جمال اللافي


المعنى، اصطلاحا هو القيمة المعنوية والمادية التي يحملها كل كائن ( حيا أو جمادا، متحركا أو ساكنا)، والتي تعبر عن تلك القيمة المعنوية أو المادية التي تختفي وراء مظهره الخارجي. وهي أيضا تعكس ما يحمله كل إنسان تحديداً من أفكار وقيم ومبادئ (سامية كانت أم منحطة). وفي العمارة، يمثل المعنى أحد أهم المحاور التي تشكل قيمة المبنى من عدمه، وأصالته من هشاشته، جدواه من عدميته.

يقول المعماري العربي حسن فتحي: "في بيت جدي كل خطوة لها معنى". وفي المقابل تفتقد بيوتنا المعاصرة لهذا المعنى أو يغيب عنها، أو لا يتحقق هذا الحضور بصورة واضحة المعالم يمكن رصدها وتحليلها والخروج بقيمة يمكن أن تحملها هذه المباني التي أنشئت أصلا لسد حاجة ملحة لتزايد الطلب على السكن نتيجة لما خلفته الحروب المتعاقبة من دمار شامل للمدن أو لهجرة العمالة العاطلة إلى المدن التي تشهد ازدهارا اقتصاديا أفضل حالا من غيرها.

هذا يجرنا إلى إعادة البحث عن هذا المعنى وتقصي جذوره من خلال دراستنا وتحليلنا لبيت الجد أو ما نعرفه اصطلاحا" بالبيت التقليدي". ذلك البيت الذي نشأ في ظروف تختلف كثيرا عن ظروف نشأة البيوت المعاصرة. وتشكّل بطريقة تختلف عنها من حيث التوزيع الفراغي أو مواد البناء والهيكلية الإنشائية أو المعطيات الاجتماعية والثقافية والمناخية. وأهم ما في ذلك أن الأسطى الذي شيده والفكر الذي شكل صورته هما نتاج البيئة المحلية.

إن الحاجة التي دعت لنشوء البيت التقليدي ليست حتما هي نفس الحاجات التي فرضت نفسها على البيوت المعاصرة. كما أن الفكر الذي شكلها لم يعد هو نفسه الفكر الذي يحرك صيغة ومفهوم البيت المعاصر. بل أن يد الإنسان التي طبعت بصمتها على جدران البيت التقليدي، لم تعد هي ذات اليد التي تبني بيوت اليوم. في الماضي كان البيت وليد بيئته بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، واليوم أضحى هذا البيت وليد صفقات تجارية تحصل بين رجال أعمال متعددي الجنسيات وحكومات تبحث عن حل لأزمتها مع شعوبها، بأي وسيلة ولو كانت غير مجدية على المدى الطويل. فأصبح ديدن الحال يبحث عن سرعة الإنجاز ويتجاهل كفاءة المنجز، فأضحت المشاريع الإسكانية التي تقام أشبه بمُسكن صداع الرأس سريع الفاعلية في قتل الشعور بالألم ولكنه لا يعالج موطن الداء، فلا تمر سنوات إلاّ وتتكشف الحقيقة عن حالة مرضية مزمنة قد لا تجدي معها نفعا كثرة المسكنات.

وهذا ما بتنا نراه بعد كل هذه السنوات التي أهدرت في طرح الحلول المستعجلة لأزمة السكن المستفحلة. مشاريع قدمت على عجل وهي اليوم تستعجل الخلاص منها ومما أفرزته من أمراض وعلل نفسية واجتماعية وأخلاقية حاقت بالمجتمعات التي تسكنها وباتت تشكل عبئا ثقيلا على نهضة الأمة وخياراتها الحضارية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية