أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، أبريل 27، 2016

تعريف العمارة




جمال اللافي

مما قد يخفى عن الغالبية العظمى من المعماريين، أنه لا وجود لتعريف واحد مطلق للعمارة يفسر ماهيتها أو يحدد نطاق مجالاتها وأدوارها في الحياة. بقدر ما توجد تعاريف شتى، تتباين في تفسيراتها. قد تتعارض في منطلقاتها ولكنها في مجملها تتحد في غاياتها من حيث أنها تريد كلها تقديم تعريف قابل للفهم وسهل الاستيعاب. يعين الباحث على تلمس طريقه في مفترقاتها الممتدة ودروبها المتشعبة ومداخلها المتعددة. من خلال رؤية رسمت معالمها ومساراتها الممارسة العملية للمهنة. والانطباعات الشخصية التي تشكلها المعتقدات الدينية والثقافية المحلية وكثرة المشاهدات والمطالعات لتجارب محلية وأخرى عالمية حاضرة وسابقة. والتعبير عنها من منظور خاص. 


ليس أمرا نسبيا أو حالة مزاجية لا تستند على قاعدة سليمة أو منطلقات لها ما يبررها. وهو كذلك لا يتأتى بدعوة قسرية للحضور. ولا هو بطيف مفاجئ يأتي في سكون الليل. وإنما يخرج للحياة كبرعم أخضر شق طريقه في صخرة صماء، سقيت على مر السنين من غيمة الصبر والمعاناة وكثرة المداومة على البحث والاستقصاء.
تعريف العمارة،
هو رحلة شاقة وبحث مضني عن مجالس تثنى عندها الركب أمام معالمها الخالدة وشواهدها العظيمة التي تحكي عن سيرة المجتمعات الانسانية الدؤوبة في صراعها ضد نوازل الطبيعة. وضرورات الحياة. ومتطلبات الاستقرار. ورسالة الإعمار في الأرض، التي حملها بني آدم أبا عن جد. وهي التحدي المستمر للذات بحثا عن الأصالة والتجديد.

تعريف العمارة،
هو نتاج حالة إبحار دائم في متون الوعي بحثا عن موانئ ترسو عندها القناعات وتستقر المفاهيم. وهو سباحة ضد تيارات شتى جارفة، تحمل بين ثناياها معتقداتها وقيمها المتضاربة لتستعمر العقول قبل الأماكن. وهو احتماء بصروح راسخة الجذور، لا تعصف بها رياح التغيير كل يوم.

تعريف العمارة،
هو محاورة بين ذات المعماري وموضوع العمارة في محاولة تقترب من حالة الشغف لسبر أغوارها واستنكاه مكنوناتها لتبوح ولو ببعض أسرارها. ومثلما يقبل تنوع الرؤى واختلاف التوجهات وتعدد المنطلقات. إلاّ أنه أبداً لا يقبل النقض أو الإقصاء من أي طرف كان أو جهة ما. وتحت أي مبرر.

وأخيراً،
العمارة، هي علم تصميم الصروح والمدن. وفن صياغة الحياة. وأدب تشكيل الأفكار ورسم المسارات وإرساء حدود وأشكال العلاقات الإنسانية وتنوعاتها بين الأمم والمجتمعات والأفراد. مهمتها الأساسية توظيف الموارد والتقنيات الممكنة والمتاحة، لتوفر للإنسان ملاذا يحميه من تقلبات البيئة الطبيعية. ويحقق له الشعور بالأمن والاحتواء. ويوفر له فضاءات مغلقة ومفتوحة، متعددة الأنشطة ومتنوعة الأشكال والأحجام.

وهي البوتقة التي تحتضن ذاكرته ورؤاه وتطلعاته وقيمه وغاياته وقواسمه المشتركة مع بني جنسه. وأداته في التعبير عن ذاته وخصوصيته ضمن محيطه الإنساني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية