أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، فبراير 12، 2016

الاستئثار بالقبح




جمال اللافي


يغلب على الثقافة الليبية المعاصرة قناعة بأن الجمال مكلف جدا من الناحية المادية. ويأخذ وقتا طويلا حتى يتم إنجازه. لهذا أضحوا يتجهون إلى القبح، لأنهم يعتقدون أنه أقل كلفة وأسرع تنفيذا. ولهذا نرى القبح ينتشر في مدننا وعمارتنا وينعكس بالتالي على سلوكياتنا كل مناحي حياتنا.

والحقيقة التي تغيب عنا، أن الجمال يكمن في البساطة وحسن استثمار المقومات المتاحة وتوظيف كل شيء في مكانه الصحيح. ومن أهم ما يميز البساطة أنها لا تكلف كثيرا، هذا إن لم تكلف شيئا في بعض المتعلقات، بالإضافة إلى أنه يدوم طويلا (وقد يعمر قرونا- وهذا سر من أسرار كلفة الجمال). أما القبح فتكلفته المادية كبيرة جدا تضاف إلى تكلفته المعنوية ومردوده السيء على سائر حيواتنا. ومن سماته الرئيسية والأهم أنه سريع التلف وبالتالي لا يعمر طويلا. ولهذا نحن اليوم:
·        ندفع الأثمان الباهظة في كل ما يحيط بنا نتيجة تفضلينا للتعاطي مع القبح بدلا من التعاطي مع الجمال. ندفع هذا الثمن لأننا نستسهل الأشياء والأمور. ونستعجل في طلبها بأي صورة كانت.
·        ندفع ضريبة أوهام لا زالت تعشش في خيالاتنا وتصنع من نفسها ثقافة عيش. وستصبح مستقبلا ميراثاً لأجيال قادمة ومنهاج حياة لهم على نسق سيرتنا.
·        خسرنا كل شيء، حتى تلك المكاسب التي اعتقدنا أننا ظفرنا بها.

القبح أصبح سمة غالبة على كل ما ينتمي إلينا من منجزات أو سلوكيات عامة أو مظاهر حياة يومية. والجمال بدا يضمحل شيئا فشيئا من بين أيدينا كما التراب في يوم عاصف في يد مبسوطة، ما لم نعيد التفكير في نظرتنا للأشياء وطريقة تعاطينا معها ولكل ما يلامس حياتنا ويصنع منها بمرور الزمن ثقافة عيش وبالتالي ثقافة مجتمع وميراث للأجيال القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية