أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، أغسطس 28، 2014

فوضى عمرانية وراءها مخطط مدروس؟




جمال اللافي

يعتبر هم البحث عن المأوى الذي يحمي من برد الشتاء وحر الصيف، ويوفر السكينة والاستقرار، من أكبر الهموم التي تشغل بال الإنسان منذ وطئت قدماه الأرض.

ولكن ليس الخوض في تاريخ المستوطنات البشرية ومراحل التطور التي مرت بها هدف هذا الموضوع، ولكن ما يشغل البال هو التدهور الأخلاقي الحاصل في التعاطي مع هذا المطلب الإنساني الهام، من حيث الآليات التي تفتقر للكثير من المقومات والأسس التي تبنى بها وعلى أساسها المستوطنات الجديدة، هذا إذا ما سلمنا بأن هناك مستوطنات بشرية جديدة بنيت أو تبنى بغض النظر على المعايير التي استندت إليها، والأسس التي قامت عليها.

وقد أضحى المأوى قضية مستعصية تكاد تنطبق في كل تفاصيلها مع ما يجري في أكثر من بلد عربي ، مع فارق التسميات، فمنهم من رفع شعاراً فضفاضا يحمل عنواناً رناناً هو" ابني بيتك" ، نعم " ابني بيتك" ، إنه شئ جميل، ولكن أين؟ وكيف؟، هذا هو بيت القصيد، فالمطلوب من هذا المواطن الخروج إلى مناطق جرداء " بلقع" لا ماء فيها ولا كلأ، حيث تم وضع مخططات لمشاريع إسكانية، لا تضم إلاّ قطع أراضي للإستعمال السكني فقط، لا بنى تحتية ولا مرافق خدمية. هذا في بعض البلاد، أما في بلاد أخرى فلم يدّعِ أحدا فيها أنه يبني للناس، و لم يدعوهم لبناء بيوتهم، بل تركهم في مهب الريح، يدارون هوانهم على الأمم الأخرى.

أمّا ما تجود به هذه الحكومات وبعد كل عدة سنوات من القحط والجفاف، وفقدان الإحساس بوجود حفنة من البشر أضناهم البحث عن بيت كريم، فهو نموذج مفروض وعلى الجميع قبوله طوعاً أو كرهاً، وبأسعار تتجاوز حد المنطق والمقبول والمقدورعليه، وبأسوأ أساليب التنفيذ والتشطيب.

والفارق الآخر، أن النموذج المقترح، ليس وحدة سكنية من دور أو دورين، بل هو عمارة من أربعة عشر دورا تقل قليلا في بعض المشاريع أو تزيد قليلا... توزع على رقعة الأرض المخصصة بطريقة عشوائية وفي مختلف الاتجاهات. مع افتقار هذه المشاريع الإسكانية في غالب الأحيان للبنى التحتية والخدمات والمرافق الخدمية... لا مساجد، ولا مدارس، ولا محال تجارية ولا حدائق ولا تخطيط لمواقف السيارات... فقط فوضى بصرية، تدفع الإنسان لحالة من الحيرة والضياع والتوهان في البحث عن المفقود بعيدا أو البحث عن حل من خلال مبادرات فردية. ولسان حالهم يقول:" ما حك جلدك مثل ظفرك".

والفارق الأخير، أنك تستطيع في بعض البلاد انتقاد هذا التوجه، وفضح الممارسات الخاطئة علنا، وعبر كل الوسائل المتاحة. أما في غيرها فهذه المشاريع تمثل إنجازات، ومجرد ملاحظة عابرة حولها قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، لهذا يلجأ البعض إلى التلميح دون التصريح خوفا من الوقوع في مطب الرجعية والعمالة لأمريكيا والصهيونية.

نقطة أخرى، تتعلق بتحويل بعض مراكز المدن العربية وضواحيها إلى منطقة خاصة بـرجالات الدولة وأعوانهم وأجهزتهم الاستخباراتية. وهذا الإجراء طبقته بعض الحكومات العربية ويمهّد البعض الآخر لتطبيقه أيضا، وبطريقة، تشبه إلى حد كبير، ما قامت به العصابات الصهيونية إبّان احتلالها لفلسطين، يعني تهجير قصري، وإجبار السكان والقاطنين في مركز المدينة على قبول تعويض والخروج الفوري أو ......؟.

والقصة تبدأ من هذا التعويض:
مبلغ مالي، ليس لنا عليه تعليق، لأنه يفترض في الظروف العادية، أن يساعد على شراء شقة في عمارة في آخر الدنيا. ولكن هناك إجراءات إحترازية أخرى تصاحب هذا التعويض، وهي:
§        رفع أسعار مواد البناء الأساسية( الإسمنت والياجور والبلوك والحديد).
§   إصدار قرارات بطرد العمالة الوافدة، تحت دعاوى تنظيم دخولهم وخروجهم، على أن تبقى الأمور على حالها، مما يشجع هذه العمالة على استغلال الظرف ورفع أسعار الأيدي العاملة في مجالات البناء إلى أضعاف السعر السائد، بحجة نقص العمالة. وكلما تكرر الأمر يزداد ارتفاع السعر، بحيث يصل في النهاية إلى أسعار تعجيزية، لا قدرة للمواطن العادي وغير العادي على مجاراتها. وبالتالي يقف المواطن عاجزا عن بناء بيت، فيلجأ إلى بناء عشة من صفيح أو كرتون. وفي نهاية المطاف قد لا يجد إلا الأرض وسادة والسماء لحافا.
§   منع البناء خارج المخططات المعتمدة في هذه الدول، مع مراعاة عدم وجود مخططات جديدة، وتهديد كل من يقوم بالبناء خارج هذه المخططات بهدم مسكنه دون تعويضه.
§   السماح بالبناء العشوائي، والتغاطي عن ذلك في مقابل بعض الرشاوي، التي تستنزف جزء من رصيد المواطن، لحين الانتهاء من تهجير جميع السكان داخل المخططات المعتمدة- بحجة الإزالة لغرض التطوير وتوسعة الشوارع- إلى هذه المناطق التي تفتقر لجميع الخدمات والبنى التحتية. وبعدها سيتم تطبيق الإجراء.

والنتيجة:
1- عدم استقرار أحوال المواطنين في هذه البلاد.
2- نزع ملكية جميع العقارات داخل المخططات المعتمدة بالمدن أولا، والعشوائية بعدها وبالتدريج، حتى يتم نزع ملكية كل شبر في تلك البلاد، بحيث لن يصبح في المستقبل هناك مواطن يملك شبرا واحدا من الأرض أو العقار، في هذه الدول.
3- استبدال المواطنين، بالجاليات الأجنبية، في مراكز المدن، بحجة فتح أبواب الاستثمارات الخارجية، وحق الأجانب في التملك.... يعني عودة الاحتلال الذي خرج من الأبواب تحت ضربات المجاهدين، ليدخل من الشباك الذي فتحته على مصراعيه زمرة من العملاء والمأجورين.

ويمكن تلخيص المسألة من خلال معادلة رياضية بسيطة:
مبلغ تعويض بخس + ارتفاع أسعار مواد البناء الأساسية + ارتفاع أسعار الإيدي العاملة + منع البناء خارج مخططات المدن/ عدم وجود مخططات لمدن جديدة = هجرة السكان إلى المجهول/ عدم توفر وسائل المواصلات لهم/ عدم توفر مواطن شغل لهم/ عدم توفر الخدمات الرئيسية لهم/ عدم وجود رعاية صحية لهم/ عدم وجود مؤسسات تعليمية لهم. والمحصلة، إفناء شعب، وإحلال آخر، بطريقة شيطانية/ سرقة أرض/ سرقة ثروات.

الأمر تعدى كل الحدود... الأمر ليس مجرد سوء إدارة أو سوء تصميم لمشاريع عمرانية، أو خروج عن المعايير والمواصفات في مجال البناء، أو طمع مقاول وغش مهندس معدوم الضمير، أو تغافل الرقابة الإدارية عن المخالفين من أصحاب النفوذ والمال.

هذه المشاريع التي تنفذ الآن على قدم وساق في جميع الدول العربية، المستهدف منها هو إعادة توطين الجاليات الأجنبية الغربية فقط (على غرار ما كان من المفترض أن يتم خلال فترات الإحتلال التي تعرض لها العالم العربي والإسلامي في بدايات القرن الماضي)، ولكن هذه المرة ليس عن طريق الاحتلال المباشر، بل بوسائل أكثر خبثا ووضاعة). ومهمة المستوطنين الجدد، السيطرة على مصادر الثروة، ومراكز المدن، والتحكم في القرار السياسي لكل دولة، ومنع أي حلقة اتصال بين الشعوب العربية، لمنع أي تنسيق أو تنظيم لمواجهة هذا الاحتلال.

أما مصير الشعوب العربية، فسيكون على النحو التالي:
·        التهجير من جميع مراكز المدن والقرى، دون تحديد مواقع جديدة لتوطينهم.
·   الاستيلاء على أملاكهم بحجة مخالفة قوانين التخطيط والتنظيم، وعدم تعويضهم، أو جعل التعويض غير قابل لتمكينهم من إعادة بناء مساكن صالحة.
·   تجميعهم في مناطق عشوائية غير مرخص بالبناء فيها، تفتقر لجميع الخدمات والمرافق الضرورية، وخصوصا المساجد، المباني التعليمية، المرافق الصحية.
·   قطع أسباب الرزق عنهم بالتدريج، وتحويلهم لمجمعات من العاطلين عن العمل، لنشر أسباب الفساد والرذيلة والأوبئة الصحية والاجتماعية بينهم، وتحويلهم لقطعان من البشر فاقدي الأهلية والقدرة على التحكم في مقاليد أمورهم، واضطرارهم للعمل كخدم منازل لأسيادهم البيض.

وأخيرا.... الحل يكمن في استمرار عملية توعية الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة بما يحاك لهم في الظلمات، مؤامرات اجتمع فيها شياطين الإنس بشياطين الجن، لتحقيق مآرب أخرى، بدأت معالمها تتضح كل يوم، في كل مكان على وجه هذه البسيطة، وفي مختلف أوجه الحياة،وليس فقط في العمران.

علينا أن لا نسمح بمشاريع الغد أن تأخذ طريقها للتنفيذ بواسطة عملاء جدد ووجوهاً خبرناها.

وخلاصة الأمر، رفعنا ونرفع الدعاء للذي لا يغفل ولا ينام، والذي بيده ملكوت السماوات والأرض، أن لا يقدّر هذا الأمر، وأن يحفظ أمتنا العربية والإسلامية من كل سوء.... وأن يجعل كيد هؤلاء البغاة المستبدين في نحورهم، وأن يكفينا شرورهم. ثم علينا الأخذ بالأسباب.

وها قد قيّض الله سبحانه وتعالى لنا الأخذ بالأسباب التي أدت لزوال حكم الطواغيت المستبدين، منهم من فر هارباً إلى خارج بلاده، ومنهم من سجن هو وحاشيته ومنهم من قتل هو وابنه وأزلامه وفرمنهم من فر إلى خارج البلاد ليدوقوا مرارة التشرد ومنهم من أحرق وجه وانحسر في زاوية يتجرع مرارة الخذلان ممن خدمهم طيلة عقود وأخلص لهم على حساب شعبه.





المصدر/ إعادة صياغة لموضوع حواري تم بملتقى المهندسين العرب بتاريخ 18/9/2009 م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية