أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، أغسطس 14، 2025

النقد في العمارة: بين رحابة الإصلاح وقيود الأبراج العاجية


جمال الهمالي اللافي

يُعدّ النقد جوهر أي عملية تطوير أو بناء، وفي مجال العمارة تحديداً، تكتسب هذه العملية أهمية مضاعفة نظراً لتأثيرها المباشر على حياة الناس وتشكيل بيئتهم. ومع ذلك، لا يزال مفهوم النقد يعاني من سوء فهم واسع، غالباً ما يُخلط فيه بين النقد البنّاء الذي يسعى للإصلاح، والانتقاد الهدّام الذي يرمي إلى التجريح، لدرجة أن الخوف من النقد يدفع الكثيرين لتجنبه، اعتقاداً منهم أنه لا يحمل سوى "معول الهدم".

النقد البنّاء: أداة لإعادة البناء لا الهدم

إن التمييز بين النقد البنّاء والانتقاد الهدّام هو نقطة الانطلاق الأساسية. النقد البنّاء هو عملية تحليلية تهدف إلى إعادة بناء كيان تعرض للخلل، سواء كان فكرة معمارية، منهجية تصميم، نظاماً مؤسسياً، أو حتى سلوكاً مهنياً. هو يشبه الطبيب الذي يشخص "موطن الداء" ويصف "الدواء الناجع"، مركزاً على المشكلة وسُبل علاجها، لا على تجريح المريض. هذا النوع من النقد لا يقوّض، بل يؤسس لعملية تحسين وتطوير مستمرة.

على النقيض تماماً، يكمن الانتقاد الهدّام، والذي غالباً ما يفهمه عامة الناس بعقلية الهدم، في كونه موجهاً نحو التجريح الشخصي أو التقليل من شأن الآخر، مما يجعله مرفوضاً من المتلقي ويُفقد أي قيمة محتملة للحوار.

عقلية الإصلاح: تقبل النقد كركيزة للنمو

إن من يمتلك عقلية تسعى للإصلاح الحقيقي يتقبل أي نقد يوجه إليه بـصدر رحب وعقلية منفتحة. ينظر إليه كفرصة للتعلم والتطوير، سواء كان النقد يتعلق بفكر معماري مطروح، أدلة مستخدمة، منهجية مقترحة، مرجعية مستند إليها، آلية عمل، أو حتى سلوك وتعامُل. هذا الشخص لا يواجه النقد بـ"مدفع رشاش" للدفاع عن الذات، بل بـ"يد ممدودة للحوار والإثراء"، لأن هدفه الأسمى هو الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة.

النقد في العمارة: ليس حكراً على الأكاديميين

هنا تبرز نقطة جوهرية في النقاش حول النقد المعماري، وهي المحاولة لحصره ضمن دائرة الأكاديميين، وتحديداً حاملي درجة الدكتوراه. هذا التصور، الذي يدعي أن النقد "عملية أكاديمية صرفة"، هو تصور محدود ومقوّض لجوهر المهنة. فالعمارة، بطبيعتها، هي تزاوج بين النظرية والتطبيق، وتتطلب رؤى من مصادر متعددة لضمان شمولية عملية التقييم والتطوير.

إن النقد في العمارة هو عملية شخصية تعكس رؤية ووجهة نظر أي ممارس للمهنة. هذا يشمل:

·     الممارس المعماري: الذي ينبع نقده من الخبرة العملية العميقة في الميدان، والتحديات الواقعية للتصميم والتنفيذ، وتأثير المباني على المستخدمين والبيئة. هذا النقد العملي لا يمكن استقاؤه من الكتب وحدها.

·     الأكاديمي: الذي يقدم نقداً من منظور نظري وفلسفي وتاريخي، مستنداً إلى البحث المعمق والنظريات الراسخة، ليثري الحقل بالتأصيل المعرفي ويدفع حدود التفكير.

·         الطالب: الذي يمتلك قدرة نقدية ناشئة، قد تكون عفويّة ومبتكرة، وتشير إلى نقاط قد يغفل عنها الأكثر خبرة.

·     المستخدم والجمهور: الذين يختبرون الفضاء المعماري في حياتهم اليومية، ونقدهم يعكس مدى نجاح المبنى في تلبية احتياجاتهم. هذا النقد الحيوي ضروري لضمان أن العمارة تخدم هدفها النهائي.

إن حصر النقد في فئة واحدة، مهما كانت مكانتها الأكاديمية، هو تقييد للتطور وإفقار للحقل المعماري الذي يزدهر بالتنوع الفكري وتبادل الرؤى. فالاختلاف بين التفوق في التدريس والقدرة على إدارة مؤسسات هندسية بفعالية يوضح أن الشهادة الأكاديمية لا تساوي بالضرورة الحكمة العملية أو القدرة الإدارية.

تعزيز ثقافة النقد البنّاء في ليبيا: دور الإعلام كبوابة

لتحقيق قفزة نوعية في مجتمع مثل المجتمع الليبي، الذي يواجه تحديات معقدة ويعاني من ترسبات الماضي، فإن تعزيز ثقافة النقد البنّاء يصبح ضرورة قصوى. هذا يتطلب جهوداً متعددة الأوجه:

1.   التعليم والتنشئة: غرس قيم التفكير النقدي والحوار المحترم منذ الصغر في المناهج الدراسية، وتوفير نماذج إيجابية من المعلمين والقادة الذين يتقبلون النقد ويقدمونه بفعالية.

2.   تهيئة البيئات الداعمة: خلق مساحات آمنة للحوار في المؤسسات، أماكن العمل، والمجتمع المدني، وتشجيع التغذية الراجعة المستمرة من خلال آليات شفافة.

3.      تغيير المفاهيم الشائعة: عبر حملات توعوية مكثفة لإعادة تعريف النقد كأداة للتحسين، والتمييز بين نقد الفكرة ونقد الشخص.

4.      تطوير المهارات الفردية: تنمية مهارات الاستماع الفعال، وصياغة النقد بشكل بنّاء، والمرونة الذهنية لدى الأفراد.

وفي هذا السياق، يلعب الإعلام دوراً محورياً كبوابة للتغيير. يمكن لوسائل الإعلام، بمختلف أشكالها، أن:

·         توّعي الجمهور بالفرق بين النقد البنّاء والانتقاد الهدّام من خلال برامج حوارية ومقالات وحملات إعلامية.

·         تسلط الضوء على أهمية النقد في العملية التعليمية، وتعزز نماذج التفكير النقدي لدى الطلاب والمعلمين.

·         تروج للقدوة الحسنة من خلال إبراز الشخصيات العامة التي تتقبل النقد وتستفيد منه.

·         تتحدى المفاهيم الخاطئة والسلوكيات السلبية التي تقمع حرية الرأي.

·         توفر منصات للنقاش الهادف الذي يشجع على المشاركة البناءة ويُبرز الحلول.

إن النقد الحقيقي، الذي ينبع من رؤى متعددة ومصادر متنوعة، هو المحرك الأساسي لأي تقدم معماري ومجتمعي. في بيئة تحاول فيها بعض العقليات قمع حرية التفكير والرأي، يصبح الاستمرار في ممارسة النقد البنّاء من قبل جميع الممارسين للمهنة، بما في ذلك خريجو العمارة وممارسوها الميدانيون، فعل مقاومة نبيلاً ومساهمة لا تقدر بثمن في بناء مستقبل معماري أفضل وأكثر استدامة.

الثلاثاء، أغسطس 12، 2025

بين عمارة السلطة وعمارة الناس: تأملات في الاغتراب المعماري

  


جمال الهمالي اللافي

في مساري المعماري، كثيرًا ما وجدت نفسي مشدودًا بين نموذجين متباينين من العمارة: الأول، رسمي ومهيب، يُكتب بأقلام السلاطين والولاة، ويُدرّس في كليات الهندسة بوصفه "التاريخ المعماري". والثاني، عفوي وتلقائي، يُكتب بأيدي الناس، ويُبنى من حاجاتهم، ويُنسج من تفاصيل حياتهم اليومية.

العمارة السلطوية، كما أراها، لا تُشيّد لتلبية احتياج، بل لتأكيد سلطة. تُبنى بمواد مستوردة، وتصاميم هندسية دقيقة، لكنها مغتربة عن المكان والناس. تعكس رغبة في السيطرة، لا في الانسجام. أما عمارة الناس، فهي نقيض ذلك: بسيطة، متكيفة، نابعة من فهم عميق للحياة، تُحاكي البيئة ولا تتعدى عليها، وتُبنى بما هو متاح، لا بما يُستورد.

ما يُدرّس في كليات العمارة، في الغالب، هو النموذج الأول. يُعرض على الطالب بوصفه "المعيار"، بينما يُغيب النموذج الشعبي، رغم أنه الأقرب للواقع، والأكثر قابلية للتكرار والتطوير. هذا التحيز في التعليم لا يخلق معمارياً متمكنًا، بل معمارياً مغتربًا، يواجه واقعًا لا يشبه ما درسه، ولا يملك أدوات للتفاعل معه.

لقد تحول التعليم المعماري، في كثير من الأحيان، إلى ممارسة تعجيزية، تُشعر الطالب بالعجز بدلًا من التمكين. وتُنتج معمارياً لا يستطيع أن يقدم شيئًا ذا قيمة فعلية، لأن ما تعلمه لا يتناسب مع ما يعيشه.

في هذا السياق، أجد أن إعادة الاعتبار لعمارة الناس ليست فقط ضرورة مهنية، بل مسؤولية ثقافية. فهذه العمارة، رغم بساطتها، تحمل في طياتها فهمًا عميقًا للهوية، وللبيئة، وللعيش المشترك. وهي، في رأيي، نقطة انطلاق حقيقية نحو عمارة أكثر صدقًا، وأكثر قدرة على التعبير عن الإنسان والمكان.

الأحد، أغسطس 10، 2025

العمارة كفلسفة: حين يلتقي المسكن بالمعنى

 


جمال الهمالي اللافي

في عالم تتسارع فيه وتيرة التشييد، وتتزايد فيه المطالب بفخامة المنازل واتساعها، تبرز تساؤلات جوهرية حول الغاية الحقيقية للمسكن. هل هو مجرد هيكل مادي يتباهى به الأفراد، أم أنه وعاء يحتضن أرواحهم ويعكس فلسفتهم في الحياة؟ هذه المفارقة تتجلى بوضوح في المقولة الشهيرة: "نحن نعيش لنبني، ولا نبني لنعيش، ولهذا بيوتنا فارهة وحياتنا فارغة".

إنها دعوة للتأمل في العلاقة بين الفضاء المعماري والراحة النفسية. في هذا السياق، تبرز تجربة فنان سعودي يملك من الثراء ما يمكنه من امتلاك قصور، لكنه اختار أن يعيش في منزل متواضع. عندما سُئل عن سبب هذا الاختيار، كانت إجابته تحمل في طياتها حكمة عميقة: "أحتاج إلى بيت يحتويني ويريحني، وليس لأتوه في غرفه وممراته".

هذه الإجابة ليست مجرد رأي شخصي، بل هي بيان معماري بحد ذاته. إنها تؤكد أن قيمة المسكن لا تكمن في حجمه أو فخامة مواده، بل في قدرته على توفير شعور بالانتماء، والهدوء، والاحتواء. هذه الفلسفة تتعارض مع النظرة التقليدية التي ترى أن العمارة هي تعبير عن الثروة والمكانة الاجتماعية. وبدلاً من ذلك، تدعو إلى فهم أعمق لوظيفة المسكن كفضاء حميمي يتناغم مع احتياجات الإنسان الروحية والنفسية، وليس فقط المادية.

إن العمارة الرصينة اليوم هي تلك التي لا تكتفي بتقديم حلول جمالية ووظيفية، بل تتجاوز ذلك لتقديم حلول إنسانية. هي العمارة التي تجعل من المنزل ملاذاً من صخب الحياة الخارجية، ومصدراً للسكينة، وتثبت أن الأناقة الحقيقية تكمن في البساطة الهادفة، وأن أغنى الأماكن قد تكون تلك التي تبدو أكثر تواضعاً من الخارج، لكنها تحتضن حياة غنية وذات معنى من الداخل.

السبت، أغسطس 09، 2025

فقه العمارة والبيئة الاسلامية

 تقديم الطالب/ خميس محمود الحوتى


المــــــــــــــــــقدمة:

 لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن بالحكمة والبيان، وضَمـَّنه المبادئ العامة والقواعد الكلية للأحكام الشرعية، ولم يتطرق فيه إلى جزئيات المسائل التي يمكن أن تختلف باختلاف الزمان والمكان، وذلك ليتيح للمسلمين الاجتهاد في مجال المعرفة والفهم الديني، واستنباط الأحكام لما يستجد من وقائع وفقا لبيئاتهم وللعصر الذي يعيشون فيه. ,, وعندما انتشر الإسلام خلال العصور التالية للعهد النبوي ظهرت مسائل جديدة، احتاج المسلمون إلى معرفة حكم الشرع فيها، فماذا صنعوا؟ لجؤا إلى الاجتهاد واستنبطوا الأحكام المناسبة، وكان من نتيجة ذلك هذا التراث الفقهي الثري المتنوع، الذي نفخر به اليوم لقد أثبتوا أن الشريعة قادرة على مواجهة مختلف الظروف في مختلف البيئات,, (1).
فهناك الكثير من الامور الفقهية لتبين العلاقة بين العمارة الإسلامية، والتراث الإسلامي عموما وتحديدا العلاقة بين المدن العتيقة، والتراث الفقهي. ومن ثم توضيح ذلك الأثر لتعاليم الإسلام على العمارة وتخطيط المدن(2).
فالدارس للتهيئة العمرانية القديمة للمدن العريقة كالمدينة المنورة وبغداد وفاس والقيروان ومراكش وحتى للآثار الإسلامية في غرناطة... يجد أنه كانت هناك منظومة قانونية مؤطرة لها، واكبت تطورات المجتمعات الحضرية الإسلامية على مدى التاريخ بالتقنين والتنظيم، والمتفحص للتراث الفقهي المالكي في مجال البنيان يتأكد من أن الفقه الإسلامي ذو طابع حضري . (3)

الفــــــــقة .
الفقه لغة : ,,الفهم وهو إدراك الشيء والعلم به,,. (1)
واصطلاحا: ,,هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ,,. (2)
العــــــــــمارة .
العمارة هى التى تسخر وحى الفنان المعمارى لبناء مطالب الشعب الذى عاصرها وبذلك جمعت العمارة بين ثقافة العصر وعلومه واحتياجاته ومطالبة وبين وحى المهندس المعماري وطبعها بطابع الجمال فجمعت العمارة تحت سيطرتها مجموعة من نواحى الفن المكملة  كالنقش والحفر والزخرفة والالوان والاضاءة والاثاث الى غير ذلك من الفنون الاخري (3)
البيــــــــــــــــئة .
البيئة لغة :يعود الاصل اللغوي لكلمة البيئة إلى الجذر " بوأ " قال ابن منظور : "باء إلى شئ رجع إليه " وذكر أيضا معنيين قريبين من بعضهما البعض لكلمة "تبوا ", الاول : إصلاح المكان وتهيئة للمبيت ,ولثاني :بمعنى الترول والاقامة (4).
البيئة اصطلاحا :عرف المسملون مصطلح البيئة مبكرا واستخدموه فى وصفهم للطبيعة من حولهم ,وممن اشتهر عنه استخدام لهذا المصطلح القاضي ابن عبدربه الأندلسي, ,حيث أشار إلى ان البيئة هى الوسط (الجغرافي والمكاني والاحيائي )الذي يكتنف مخلوقات الله تعالى  حية وغير حيه ,وقد ورد اشتقاق مصطلح البيئة فى عدة سور من القران الكريم منها قوله تعالى﴿٧3وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٧٤  الاعراف 74 ,ومعنى بوأكم فى الارض :أنزلكم بها وأسكنكم إياها(5)  

فقة العـمــــــــــــــــارة والبيـــئة:
            جاء الإسلام الحنيف شرعا متكاملا شاملا مختلف جوانب الحياة, فقد تناول بأحكامه شتى الأمور التي تنظم علاقة الإنسان بخالقه وعلاقته ببني جنسه وعلاقته بمحيطه الذي يحيا فيه بجميع مكوناته من حيوان وشجر ومدر, وقد أرسى الشرع الحنيف القواعد التي تحقق مصالح الجميع بحيث تمضي قافلة الوجود متسقة متجانسة لا تضارب بين مكوناتها ولا نشاز بل تسير القافلة نحو النهوض الحضاري الذي تتحقق به السعادة المنشودة.(1)
فقد ألف فقهاء المالكية كتبا مستقلة في الارتفاق وأحكام العمارة، ذات قيمة قانونية جديرة بالدراسة ,ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر .
كتاب الإعلان بأحكام البنيان, لمحمد بن إبراهيم المشهور بابن الرامي التونسي,المتوفى سنة 734ه .
كتاب القضاء في البنيان، للفقيه المالكي عبد الله بن عبد الحكم 271هـ ,وهو من أقدم الكتب المؤلفة في أحكام البنيان.
كتابالقضاء بالمرفق في المباني ونفي الضرر " للإمام عيسى بن موسى التطيلي ( ت 386هـ) .
كتاب "القسمة وأصول الارضين "فى فقه العمارة الاسلامية تأليف أبي العباس احمد الفرسطاني النفوسي المتوفى عام 504ه / 1110م .فى هذا الكتاب كيف تكون الشركة بين الناس ,وفيم يشتركون ,وكيف يقتسمون الحقوق والواجبات بمنتهى النزاهةفيما قل منها اوكثر,وستجد ايضا ابوابا وفصولا عن الحريم فى مختلف المجالات: حريم الاغصان والعروق,حريم السواقي والمماصل والعيون والابار والانهار والبحار والدور والاسوار والمساجد والمقابر (2).
كتاب "فقة العمارة الاسلامية " ل (خالد عزب ) سنة 1997 م -1417هـ .
إن التعامل مع البيئة والحفاظ عليها يتصل بعدد من علوم الشريعة وهى علم أصول الدين وعلم السلوك والتعامل مع البيئة.
ه لم يسمع من مالك ما يخص هذه الحالات ولكنه يعتبره ضررا بسيطا (2).
وقد حدد الفقهاء مسببات الضرر ثلاثة اناوع هى: الدخان والرائحة الكريهة والاصوات المزعجة ,وكان لذلك اثره المباشر فى دفع نوعيات المنشأت الصناعية التى تتسبب فى هذا الضرر الى اطراف المدينة الاسلامية . وفى حال اتفاق سكان حارة م على بناء فرن يعيشون من ارباحه مما يسبب الدخان او غيره , فالقاضي والمحتسب يتركان هؤلاء وشغلهم ماداموا متفقين وموقنين بالضرر الذي يسببه الدخان لانه بالنسبة اليهم ضرر الدخان اقل من ضررالاحتياج الى مصارف المعاش فهم يفضلون اقل الضررين,,فتدخل القاضي لايكون الا بعد ان تقدم له شكاية من احد السكان يعاني من ضرر الدخان فى هذه الحال ولا يستجيب له القاضي بغلق الفرن  إلا اذا كان هذا الاخير حديث الإنشاء, وهذا هو الاعتماد على مصدر الشريعة المسمى "بالاستصحاب" أي بقاء الحال كما هو عليه ما لم يرد فيه حكم . (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الهذلول , صالح(1984م) :التحكم فى استعمالات الاراضي فى المدينة العربية الاسلامية , سجل ابحاث ندوة "الاسكان فى المدينة الاسلامية ", منظمة العواصم والمدن الاسلامية جدة, ص 285:292.
(2) وزيري,يحي حسن(2008) :عناية الفقه والقضاء الإسلامي بأحكام العمران والبنيان _الفنون الاسلامية تنوع حضاري فريد , وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية قطاع الشؤن الثقافية, (الاصدار الثامن ), الكويت  ,1429 (164 صفحة ) ,  ص129.
(3) وزيري,يحي حسن(2008) : المرجع السابق , ص129.
أما الضرر الناتج من الاصوات والذبذبات فينقسم الى قسمين :النوع الاول وهو الذبذبات التى قد تؤثر على سلامة المباني وتعتبر خطرا يجب درؤه(1) , فيروي (ابن الرامي ) فى كتابة الاعلان بأحكام البنيان ان مجموعة من الناس اقاموا بوابة لحارتهم , فقاضاهم هذا الرجل بدعوى ان فتح الباب وغلقة المستمر قد أضر به وأقلق راحته ,فتحرى ( ابن الرامي)  الأمرووجد الحائط يتذبذب  جراء فتح الباب وغلقه ,فأمر القاضي بهدم البوابة وإزالة بابها .(2)
أما النوع الآخر من الضرر فينتج من الاصوات التى تسبب الضيق دون الضرر , وقد اختلف الفقهاء فى حكمهم عليه فلم يعتبره الفقهاء الاوائل ضررا يجب درؤه .
اعرب القاضي ((ابن الرافع )) فى تونس عن تفضيلة منع بناء الإسطبلات والحظائر المتاخمة للمباني لما تسببه حركة الحيوانات الدائمة فى اثناء الليل والنهار من ازعاج قد يمنع الجيران من النوم . (3)
وقد اولت التشريعات والقوانين عناية كبيرة اهتماما بحماية البيئة ونظافة المدن الاسلامية , ويظهر ذلك فى وجود شروط ومواصفات بنائية معينة يجب توافرها ببعض الحوانيت ,فيشترط  فى حانوت القصاب (الجزار) أن يتسع لوجود مذبح حتى لا يضر بالطريق وبالعامة ,كما اشترط فى حانوت الخباز ارتفاع السقف والتهوية اللازمة لاخراج الدخان (4), كما اشترط فى حانوت الخباز ارتفاع السقف والتهوية. ونظرا لانه جرت العادة على استغلال اسطح المنازل فى معظم البلاد الاسلامية فى الاغراض المعيشية وخصوصا فى فصل الصيف الذى جرت العادة على ان يتحول السطح ليلا الى مكان للنوم هربا من ارتفاع درجة الحرارة ,وكامكان للنسوة اللواتى كن يستخدمنه للاستمتاع بالهواء الطلق والشمس نهارا والتحدث الى النساء الاخريات فى البيوت المجاورة. (5)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وزيري,يحي حسن(2008) :عناية الفقه والقضاء الإسلامي بأحكام العمران والبنيان _الفنون الاسلامية تنوع حضاري فريد , وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية قطاع الشؤن الثقافية, (الاصدار الثامن ), الكويت  ,1429 (164 صفحة ) , ص129.

 (2)ابن الرامي ,ابى عبدالله عبدالله بن إبراهيم اللخمي عرف :الإعلان بأحكام البنيان ,تحقيق ,فريد بن سليمان ,مركز النشر الجامعى ,1999,الطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ,ص.
(3) وزيري,يحي حسن(2008) :المرجع السابق, ص132.
(4) عثمان ,عبدالستار ,وعيد عبدالسميع (1988) :المدينة الاسلامية (سلسلة عالم المعرفة ),المجلس الثقافي والفنون والاداب ,الكويت ,ص113.
(5) وزيري,يحي حسن(2008) :المرجع السابق, 132.

,ومع هذا الاستغلال المكثف للاسطح نتيجة للظروف المناخية وعوامل تحقيق الخصوصية تضمنت الاحكام الفقهية ما يوجه المطالع المؤذية الى السطح او من يكون فوقه البيوت المجاورة هذا السطح , وفى قياس محدد (ابن الرامي ) ان سبعة أشبار ارتفاع مناسب للسترة " الدورة " يكفي لان يمنع الشخص من الرؤية اذا لم يكن محبا لفضول الاستطلاع . (1)
نستطيع ان نقسم طرق وشوارع المدن الاسلامية الى ثلاث مستويات
المستوى الاول :الطرق العامة ,وقد عرف المقدسي هذا النوع من الطرق بأنه الشارع المنفك عن الاختصاص ,فالناس كلهم فيه سواء يستحقون المرور فيه .
المستوى الثاني :هو الطريق العام الخاص ,وهو اقل درجة من الطريق العام ,اذ الارتفاق به من قبل جماعة المسلمين ,يقل عن ستبقة وبالتالى تزداد سيطرة القاطنين بهذا المستوى من الطرق عليه .
المستوى الثالث : الطريق الخاص,وافضل امثلة هذا النوع من الطرق هو الطريق غير النافذ ,وهذا النوع من الطرق ملك لساكنيه فقط ,ولذا سمي خاصا ,بخلاف المستوى الثاني من الطرق ,فأنه مشترك بين جميع اهل الطريق وفيه ايضا حق للعامة . (2)
ومما يشير الى التمسك بالاحكام الفقهية  ما كان فى مدينة القاهرة ومصر حيث كان فيهما اربعة مساجد جامعة هى : جامع عمرو ,وجامع ابن طولون ,والجامع الازهر و جامع الحاكم ,وكان تناوب الصلاة فيها قائما حتى افتى الفقهاء بجواز إقامة اكثر من صلاة جامعة فى المدينة فتعددت الخطبة وكثرت المساجد الجامعة كثرة واضحة مع بداية العصر المملوكى(3) 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وزيري,يحي حسن(2008) :عناية الفقه والقضاء الإسلامي بأحكام العمران والبنيان _الفنون الاسلامية تنوع حضاري فريد , وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية قطاع الشؤن الثقافية, (الاصدار الثامن ), الكويت  ,1429 (164 صفحة ) , ص133
(2) عزب , خالد (1417-1997), فقة العمارة الاسلامية ,دار النشر للجامعات , .الطبعة الاولى , القاهرة, ص95.
(3) وزيري,يحي حسن(2008) :المرجع السابق, ص133


.وكان لهذه الكثرة اثرها فى انفكاك تأثير المسجد الجامع فى تخطيط شوارع امتداد المدينة بعد ذلك . اى ان توسط المسجد الجامع بالمدينة  الاسلامية كان فى الوقت الذي اقتصرت فيه المدينة على خطبة واحدة. لقد تعدى اهتمام الفقهاء والقضاء الجوانب المادية او التنظيمية للعمران الاسلامي الى الجوانب الاخلاقية والدينية ايضا ,فمن المهام التى كانت تندرج تحت مسؤوليات المحتسب إزالة وهدم مبانى الفساد بالمدن الاسلامية  (1)  , وهو يدخل تحت باب إزالة المنكر,ومن تطبيقات ذلك ما فعله "على اغا " فى مصر , فقد ازال خمارات و بوظ بيوت الخواطي فى مناطق بولاق والصيبية ومصر القديمة , وكان السيوطي احد فقهاء مصر المعروفين فى العصر المملوكي قد استفتي فى هدم هذا النوع من المنشأت فافتى بهدمها لازالة المنكر. (2) كذلك سجلت قواعد فقه العمارة من الفقيه ابن عبد الحكمٍ الفقيه المصري المتوفى سنة 214 ه/829م في كتابه " البنيان "وقد قسم الفقهاء احكام البنايات إلى أربعة اقسام رئيسية هي:
 
1- البناء الواجب: مثل بناء المساجد لتقام فيها الصلوات، وبناء الحصون والاربطة للدفاع عن ديارالمسلمين.
2- البناء المندوب: كبناء المنائر والتي تندب للأذان وبناء الاسواق، حيث يحتاج الناس للسلع. ولكي لا يتكلفوا عناء البحث عنها، فندب الشرع لذلك بناء الاسواق لكي يستقر بها اصحاب السلع، ويسهل للناس شراؤها منهم.
3- البناء المباح: مثل بناء المساكن التي تبنى بهدف الاستغلال، فمن المعروف ان الشريعة جاءت لحفظ المقاصد الخمس: الدين، النفس، المال، العرض والنسل، والله جعل اسباباً مادية يقوم بها البشر، كي يحققوا تلك المقاصد، ومن هذه الاسباب بناء المساكن والدور ليحفظ فيها الناس انفسهم واموالهم واعراضهم، وتقوم فيها الأسر.
4- البناء المحظور: كبناء دور السكر ودور البغاء والبناء على المقابر وفي أرض الغير(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عزب , خالد , فقة العمارة الاسلامية ,دار النشر للجامعات , .الطبعة الاولى , القاهرة, 1417-1997 , ص95.
(2) وزيري,يحي حسن(2008) :عناية الفقه والقضاء الإسلامي بأحكام العمران والبنيان _مجلة :الفنون الاسلامية تنوع حضاري فريد , وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية قطاع الشؤن الثقافية, (الاصدار الثامن ), الكويت  ,1429 (164 صفحة ) , ص:134,133.
(3) ملتقى المهندسين مقالة بعنوان الاعلان بأحكام البنيان -لابن الرامي
 http://www.arab-eng.org/vb/t279156.html


الخلاصـــــــــــــــــــــــــة :
 إن المتتبع لأحكام الشريعة الغراء يجد أن الفقه الإسلامي فقه حضاري يتسم بالشمول، فهو إلى جانب عنايته بالتنمية البشرية روحيا وعلميا وخلقيا يعنى أيضا بالعمران المدني بمفهومه الواسع الشامل،   فالعمران إن لم يحكمه نظام رباني عم فساده جميع جوانب الحياة اجتماعيا واقتصاديا وعلميا بل يتعدى فساده ليصل إلى البيئة التي هي وعاء النعم ومهد الخيرات المسخرة لصالح الإنسان؛ من أجل ذلك وجب الأخذ بتوجيهات الشرع الحنيف؛ لأنه جاء من خالق الإنسان فهو أعلم بمصالحه .
هذا وقد عني علماء المسلمين سلفا وخلفا بإبراز الجانب الحضاري المدني في الشريعة الإسلامية؛ وذلك لتطبيق الشريعة الإسلامية في شتى مجالات الحياة، وتبيين هدي الشريعة الذي يحمل في طياته الحلول الربانية لكل معضلات البشرية التي ينتجها تفاعل الإنسان وتعايشه في هذه البسيطة، ويتجلى ذلك في الإسهامات الفعالة للفقهاء في التنظير الفقهي والتأطير الشرعي للجوانب المدنية؛ فقد حوت مؤلفاتهم وموسوعاتهم الفقهية كثيرا من المواضيع التي تتناول الأحكام الشرعية المنظمة لسير العمران المدني ، بل أفرد بعضهم مؤلفات تتناول العمران ومختلف مؤسساته.وفي كتب فقه العمران نجد القواعد الشرعية تتحرك في مجالات عديدة، إما عن طريق  الاية ﴿١٩٨ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿١٩٩الاعراف  أو الحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار"، وما يتفرع عنه من قواعد مثل: الضرر لا يكون قديما، والضرر الأشد يدفع بالضرر الأقلّ، والضرر العام يقدم على الضرر الخاص إلى آخــــــــره.


 الهوامش:

(1) فقه العمران  : ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان الفقه الحضاري , لندوة التاسعة 2010م http://www.mara.gov.om/nadwa_new/?page_id=239
 (2).يحيى وزيري ، العمارة الإسلامية و البيئة ،، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب , سلسلة كتب عالم المعرفة ، عدد يونيو 2004, الكويت، ص: 27 .
(3) - Juan Martos Quesada , El mundo jurídico en AL-ANDALUS , Delta Publicaciones Universitarias, Primera edición ,2005 ,Madrid , P.17.


(1) ابن فارس , أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مادة [فقه] ، بيروت: دار الفكر 1399هـ - 1979م, ج4 ص442 .
(2)الشوكاني، محمد بن علي بن محمد: إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق الشيخ أحمد عزو عناية،  بيروت: دار الكتاب العربي، 1419هـ - 1999م, ج1 ص17 .
(3) عبد الجواد, توفيق احمد: تاريخ العمارة والفنون الاسلامية, مكتبة الانجلو, ج3 , القاهرة , 2009م , ص 3.
(4)أبو الفضل ,محمد بن مكرم ,ابن المنظور (711 ه / 1311م ) ,لسان العرب , بيروت ,دار صادر ,ط 3 ,1414ه / 1993م ,مادة "بوأ", 38-39.
(5)أبو حيان ,محمد بن يوسف الاندلسي (745ه -/1344م),البحر المحيط فى التفسير ,تحقيق صدقى محمد جميل ,بيروت ,دار الفكر 1420ه/1998م ,4/329 .


المصــــــــــــــــــــــــــــادر المراجـــــــــــــــــــع :

المراجع العربية
1.      القران الكريم .
2.      الحديث الشريف .
3.      ابن فارس , أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(1399هـ - 1979م): معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مادة [فقه] ، بيروت: دار الفكر.
4.      أبو الفضل ,محمد بن مكرم ,ابن المنظور (711 ه / 1311م ) ,لسان العرب , بيروت ,دار صادر ,ط 3 ,1414ه / 1993م ,مادة "بوأ",.
5.      الهذلول , صالح (1984):التحكم فى استعمالات الاراضي فى المدينة العربية الاسلامية , سجل ابحاث ندوة "الاسكان فى المدينة الاسلامية ", منظمة العواصم والمدن الاسلامية جدة
6.      النفوسي ,أبى العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطاني (1418 هـ / 1997 ):القسمة واصول الارضين  كتاب فى فقه العمارة الاسلامية ,ط2 نشر جمعية التراث ,القرارة ,غرداية ,الجزائر.
7.      الشوكاني، محمد بن علي بن محمد(1419هـ - 1999م): إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق الشيخ أحمد عزو عناية،  بيروت: دار الكتاب العربي،.
8.      أبو حيان ,محمد بن يوسف الاندلسي (745ه -/1344م),البحر المحيط فى التفسير ,تحقيق صدقى محمد جميل ,بيروت ,دار الفكر 1420ه/1998م ,4/329 .
9.      عزب , خالد (1417-1997): فقة العمارة الاسلامية ,دار النشر للجامعات , .الطبعة الاولى , القاهرة,.
10.  عبدالرحمن بن ابي بكر ,جلال الدين السيوطي (911هـ/1506م), الاشباه والنظائر , لبنان ,بيروت دار الكتب العلمية ط1 ,1411هـ/1990م
11.  عبد الجواد, توفيق احمد(2009): تاريخ العمارة والفنون الاسلامية, مكتبة الانجلو, ج3 , مصر,القاهرة .
12.  عثمان ,عبدالستار ,وعيد عبدالسميع (1988) :المدينة الاسلامية (سلسلة عالم المعرفة ),المجلس الثقافي والفنون والاداب ,الكويت.
13.  وزيري ، يحيى (2004):  العمارة الإسلامية و البيئة ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب , سلسلة كتب عالم المعرفة ، عدد يونيو, الكويت.

المجلات العلمية .
1- وزيري,يحي حسن(2008) :عناية الفقه والقضاء الإسلامي بأحكام العمران والبنيان _مجلة :الفنون الاسلامية تنوع حضاري فريد , وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية قطاع الشؤن الثقافية, (الاصدار الثامن ), الكويت  .
 2- حسن , عبدالمالك (1986م): تأثير الشريعة الاسلامية على المظهر العمراني للمدينة ,مجلة البناء ,عدد (71) القاهرة.
رسائل علمية ( ماجستير )
1- ضاهر,عبدالوهاب مصطفى(1435-2014م) :العمارة وحل مشاكل البيئة فى الاسلام , لبنان ,بيروت كلية الامام الاوزاعي للدراسات الاسلامية. 

الانــــــــــــترنت
مقالات
1- فقه العمران(2010)  : ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان الفقه الحضاري , الندوة التاسعة.http://www.mara.gov.om/nadwa_new/?page_id=239
2- ملتقى المهندسين مقالة بعنوان " الاعلان بأحكام البنيان"  -لابن الرامي
 http://www.arab-eng.org/vb/t279156.html
الكتب الاجنبية
1 - juan Martos Quesada , El mundo jurídico en:  AL-ANDALUS , Delta Publicaciones Universitarias, Primera edición ,2005 ,Madrid , P.17.


 *بحث مقدم لجامعة العلوم الإسلامية العالمية- كلية العمارة والفنون الاسلامية

تناغم العناصر المعمارية: عندما تروي العمارة قصةً ترابط نسيج خيوطها


جمال الهمالي اللافي

المقدمة

العمارة ليست مجرد جدران وحجارة؛ إنها قصة متكاملة ترويها التفاصيل. التصميم المعماري ليس بناءً فحسب، بل هو روح تنبض من خلال كل عنصر مكمل له. من الأثاث إلى الألوان، ومن الزخارف إلى عادات السكان اليومية، كل مكون يلعب دورًا في الحفاظ على هوية المكان وتناغمه.

في عالم التصميم، التوافق بين العناصر ليس خيارًا بل ضرورة. التنافر بين العناصر قد يؤدي إلى نشاز بصري يؤثر على تجربة العيش، تمامًا كما تكون النوتة الموسيقية الجميلة بلا قيمة إذا أُضيفت إلى مقطوعة لا تنتمي إليها. في هذا السياق، يمكننا أن نستلهم من العمارة الإسلامية، المتوسطية، والغربية التي تقدم لنا نماذج ملهمة لفلسفات التصميم المتكامل.

العناصر المكملة كجزء من الهوية المعمارية

ليست العناصر المكملة مجرد إضافات، بل هي أساس تعزز هوية التصميم. المواد المستخدمة، الألوان، الزخارف، وحتى النباتات في الحدائق، كلها تلعب دورًا رئيسيًا في خلق تجربة متكاملة. هذه التفاصيل تمتد لتشمل حتى الملابس التي يرتديها السكان، مما يعكس روح التصميم ويُضيف بعدًا إنسانيًا وتجريبيًا للمكان.

جوهر التكامل في التصميم: فلسفة أكثر من مجرد فن

الطراز المعماري هو الإطار الذي يجمع كل العناصر في وحدة متناغمة. إنه ليس مجرد شكل خارجي، بل يمتد ليشمل التفاصيل الدقيقة كالأثاث، الفرش، وحتى أدوات الاستعمال اليومي. لتحقيق انسجام بصري ونفسي، يجب أن تكون العناصر المكملة امتدادًا طبيعيًا لهذا الطراز.

العمارة الأندلسية، على سبيل المثال، تُعتبر نموذجًا فريدًا للتوازن بين جمال المعمار وتفاصيله الدقيقة. في قصر الحمراء، نجد أن الزخارف الجصية والمقرنصات تتناغم مع المواد مثل الرخام والخشب، لتعكس أناقة الطراز. حدائق الماء في قصر الحمراء تُضيف بعدًا جماليًا وروحيًا، حيث تُستخدم المياه لتغذية الروح وتبريد المكان.

الألوان في العمارة الأندلسية تُبرز الطراز بشكل مذهل، حيث الأبيض يعبر عن النقاء، والأزرق والأخضر يجسدان ارتباط المكان بالطبيعة. الأثاث والزخارف الهندسية التقليدية تُكمل الصورة، مما يُضيف أبعادًا جمالية وتجريبية مبهرة.

العمارة المغربية تحمل تداخلًا فريدًا بين الألوان، الزخارف، والمواد. بلاط الزليج على الجدران والأرضيات يخلق تناغمًا بصريًا يمزج الهندسة الدقيقة بالفن. قصر الباهية في مراكش يُظهر هذا الاهتمام من خلال الأقواس، الزخارف الجصية، والألوان الغنية التي تُبرز جمال التصميم.

العمارة الغربية: فلسفة التكامل في التفاصيل

  • فرانك لويد رايت: العمارة العضوية

فرانك لويد رايت كان يؤمن بأن العمارة يجب أن تنبثق من الأرض وتتناغم مع الطبيعة المحيطة. في مشروع "Fallingwater"، ركز رايت على تناغم الأثاث الداخلي والمستعملات اليومية مع البيئة المحيطة. استخدام الحجر المحلي والخشب مع ألوان مستوحاة من الطبيعة كان جزءًا من رؤيته للكل العضوي.

  • لو كوربوزييه: الوظيفة والجمال

لو كوربوزييه سعى لتحقيق تصميم يجمع بين الجمال والوظيفة. في "فيلا سافوي"، ركز على البساطة من خلال ألوان محايدة مثل الأبيض واستخدام مواد حديثة مثل الخرسانة والزجاج. كل قطعة أثاث كانت امتدادًا لفلسفته الحداثية والبسيطة، مما يخلق بيئة متناغمة ومريحة.

  • مدرسة باوهاوس: الشكل يتبع الوظيفة

مدرسة باوهاوس قدمت فلسفة ثورية تُركز على الوظيفة والجمال معًا. في مبنى المدرسة في ديساو، نرى أن كل تفصيلة من الأثاث إلى الزخارف تمت مراعاتها لتكون وظيفية وجمالية في الوقت ذاته. استخدام الزجاج والصلب والألوان الأساسية مثل الأحمر والأبيض والأسود يُعبر عن الانسجام بين الفن والحياة اليومية.

التحدي الأكبر: مواجهة التنافر

عندما تفقد العمارة التوازن، يحدث نشاز يُشبه منزلًا يتحدث بلغات متباينة؛ كل غرفة تعكس طرازًا مختلفًا. إدخال عناصر غير متوافقة، مثل أثاث معاصر داخل منزل بطراز أندلسي، يؤدي إلى فقدان الانسجام ويؤثر على راحة السكان.

دعوة للتفكير: كيف نُحقق الانسجام؟

  • البدء برؤية شاملة تجمع كل العناصر في وحدة متكاملة.
  • اختيار المواد والألوان بعناية لتعزيز الطراز الأساسي.
  • التركيز على التفاصيل الدقيقة مثل الأثاث، الزخارف، والنباتات.
  • احترام ثقافة السكان وربط التصميم بعاداتهم اليومية.

الخاتمة: العمارة كتجربة حياة

العمارة الناجحة ليست مجرد هياكل، بل تجربة تعتمد على تناغم العناصر وتكاملها. من العمارة الأندلسية والمغربية إلى فلسفات رواد العمارة الغربية ومدرسة باوهاوس، يظهر أن التفاصيل هي مفتاح الانسجام. لنتأمل دائمًا في كل تفصيلة باعتبارها جزءًا من القصة الكبرى التي تُبرز جمال العمارة.

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية